صدف أحمدي.. صوت شعري في مواجهة قمع طالبان
صدف أحمدي.. صوت شعري في مواجهة قمع طالبان
في قرية نائية تحيطها الجبال الشاهقة بولاية كابيسا، تجلس الشاعرة الأفغانية صدف أحمدي على أرض منزل طيني بسيط، ممسكة بدفتر قديم تكتب فيه أبيات شعرها.
لم يعد بمقدورها أن ترتاد المدرسة منذ أن فرضت حركة طالبان قيودها الصارمة على تعليم الفتيات، لكنها رفضت أن تستسلم للصمت.. تقول بعزم: "أنا ابنة هذه الأرض، ولن أسمح للظلام أن يطفئ صوتي"، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الاثنين.
حُرمت صدف، كحال ملايين الفتيات الأفغانيات، من مواصلة تعليمها بعد أن بلغت الصف العاشر، لكن والدتها، رغم أنها لا تعرف القراءة والكتابة، آمنت بأهمية العلم، فشجعتها على تعليم إخوتها الصغار.
هكذا تحولت غرفة صغيرة في البيت إلى فصل دراسي بديل، حيث كانت صدف تنقل المعرفة وتزرع الأمل في قلوب أسرتها.
نافذة على العالم
وسط هذه العزلة، وجدت الفتاة في الكتب نافذتها الوحيدة إلى العالم، كانت تقرأ بنهم، حتى فتحت لها القراءة أبواب الشعر، فبدأت بكتابة قصائد تصف فيها قوة المرأة وإصرارها على مواجهة الظلم.
أولى قصائدها حملت عنوان "أنا ابنة هذه الأرض"، وفيها جسدت ارتباطها بتراب وطنها ورغبتها في أن تكون صوتاً للحرية وسط القيود.
في ليالي أفغانستان المظلمة، حين يعم الصمت في قريتها، كانت صدف تكتب على ضوء مصباح باهت، لتخط كلماتها بجرأة غير مألوفة: "أنا نفس الطائر الذي سقط ذات يوم، وجناحاه مكسوران، لكن روحي لم تنكسر أبداً.. سقطت مائة مرة ونهضت مائة مرة، واليوم أنا أقوى من أي وقت مضى".
بهذه الأبيات لم تكن الفتاة تخاطب نفسها فحسب، بل كل امرأة أفغانية ترى في التعليم والحرية حقاً لا يمكن مصادرته، فبالنسبة لها الشعر لم يكن ترفاً أدبياً، بل وسيلة للبقاء ومقاومة الخوف، وللتأكيد أن المرأة لن تبقى صامتة مهما اشتدت القيود.
واقع مظلم لجيل كامل
تجسد قصة صدف أحمدي ملامح واقع تعيشه ملايين الفتيات في أفغانستان. فمنذ عودة طالبان إلى السلطة عام 2021، مُنعت الفتيات من ارتياد المدارس الثانوية والجامعات، في خطوة اعتبرتها الأمم المتحدة "أكبر أزمة تعليمية على مستوى العالم".
هذا الحرمان لا يهدد فقط مستقبل النساء، بل يضع البلاد بأكملها أمام خطر التراجع الحضاري والاجتماعي، فالمرأة التي حُرمت من التعلم، تُقصى أيضاً من العمل والمشاركة العامة، ليُعاد إنتاج نظام أبوي يحاصرها باسم "الشرف" و"التقاليد".
رغم كل ذلك، تصر صدف على مواصلة حلمها.. تقول: "الفتيات والنساء قويات جداً، يجب ألا يخضعن لحكومة طالبان، ويجب ألا يعتدن على الظلم". بالنسبة لها كل قصيدة تُكتب هي بمنزلة صرخة في وجه القمع، ورسالة إلى العالم بأن المرأة الأفغانية لا تزال هنا، حاضرة وصامدة.
تُدرك صدف أن طريقها مليء بالصعاب، لكن كلماتها تخرج لتبني جسراً بين الحاضر المظلم وغدٍ تحلم فيه بمكانٍ أفضل للنساء في وطنها.
وكأنها بذلك تقول إن التعليم وإن حُرم من المدارس، يمكن أن يولد من الشعر، من الكتب، ومن الإرادة الإنسانية التي لا تُكسر.










